فنان
شاكر حسن آل سعيد

العراق 1925 - 2004.

"كيف ظهرت فكرة البحث عن البعد الواحد، أو بمعنى آخر ما هو المنظور التأريخي لفكرة البعد الواحد عندي؟

في عام 1959 عدت من باريس بعد أن أتممت اطلاعي ودراستي هناك، وحينما بدأت أفكّر بالطريقة التي يجدر بي أن أنهجها كي أبدع كأي فنان يحاول الإبداع، استعرضت كل المدارس التي ظهرت في حينها: ما بعد انطباعيّة بول سيزان، فان كوخ، كوكان. أجل بدأت فيما بعد الانطباعيّة كأقرب منطلق نحو الوحشيّة والتكعيبيّة، ووجدت أن كل هذه المدارس تتم بطريقة وضع اللون على السطح التصويري بأسلوب في البحث عن معنى وجود المرئيّات. بشيء من التصرّف قلت: "حتى التجريديّة تحاول أن تعبّر عن معنى إضافة الألوان، والمعطيات الشكليّة على سطح اللوحة، فكيف إذن يتسنّى لي أن أتجاوز هذه المعطيات"؟ وفكّرت بالشكل التالي: "أن التشخيصي الأكاديمي يحاول أن يعبّر بوساطة ثلاثة أبعاد، مع العلم أن البعدين (الطول والعرض) يتفقان مع السطح التصويري دونما ريب، ولكن أليس البعد الثالث بعداً وهميّاً؟ فإذا كان كذلك، فلم لا نحاول أن نعبّر بوساطة البعد الأول وهو أيضاً بعد وهمي؟ هذه الفكرة آلت بي إلى أن أجرّب كيف أستطيع أن أرسم الخط على سطح تصويري". إن أي خط أرسمه على اللوحة يبدو بمساحة معيّنة ذات بعدين. فهنا إذن (إشكاليّة) لا بد أن أن أتجاوزها تقنيّاً. وهكذا سنح لي أن أستخدم التدرّجات اللونيّة، أو بالأحرى بدأت مع (الفن اللاشكلي) فوجدت أنه يساعدني على رسم الخط على اللوحة دون أن أرسمه. أي عليّ أن أضع تدرّجاً لونيّاً وكثافة لونيّة. وسيشاهد المشاهد فيها الخط، ولكنّه لا يشاهده بمساحة معيّنة ذات بعدين. وقد طوّرت هذه المحاولة في السبعينيّات، فاكتشفت أن (الشقوق) الجداريّة أيضاً تكون خطوطاً غير مرسومة، لأن الشقّ الجداري مفرغ من الأبعاد، ولولا وجود سطحين بجواره لما بدا لنا بهذه الصورة، فهو إذن صيغة أخرى من صيغ البحث عن معنى البعد الواحد. وما برحت متابعاً اهتماماتي بهذا الشأن وما زلت في هذه الدوامة، أحاول أن أطوّر مفهوم البعد الواحد. وأي مفهوم له كوجود لكيانه غير المرئيّ، غير الماديّ، ولو كان ذلك على سطح ماديّ".

شاكر حسن آل سعيد، حوار الفن التشكيليّ، دارة الفنون- مؤسّسة عبد الحميد شومان، 1995

متعلّقات