"علي كاف: اسود"، بطاقة دعوة، ايلول ٢٠٠٤
" علي كاف: اسود"، ايلول/تشرين اول ٢٠٠٤
معرض
أسود
علي ق

7 أيلول/ سبتمبر – 15 تشرين أول/ أكتوبر 2004

علي وحرف (القاف)

"اختار علي قبل سنوات حرف (القاف) كنية له، ويبدو لي أن تلك القاف كانت بمثابة القدر، فهو حرف الاحتمالات والقرار وكناية لعمله الفني في المستقبل. جاء هذا الحرف بكلمة القدر والقول و(قد) التي تكمن فيها الأسئلة المستمرة والسعي في البحث عن الذات الفنية بما يطابق تصوراته وخيالة الذاتي والإنساني عن طريق الفن.

لوّن علي في طفولته الفنية الأولى جبل عمان، جلس في (دارة الفنون) قبالته كالطائر محاولاً استنباط سطوح قمته وقاعدته، أشجاره وصفوف بيوته بألوان شفافة غنية متناغمة، مليئة بالفرح والدهشة.

بقي الجبل في ذاكرته وأصبح مجازاً لأعمال المستقبل، والجبل هو ذلك المثلث الناهض يملؤنا باللهفة، باكتشاف ما وراء هذا الجبل وما في داخله، وهو المحتضن، الشامخ، الحامي مالكُ الأسرار والأسئلة المستمرة، وهو إضافة إلى ذلك بالنسبة لعلي الشهيد والجذع والفخذ والمخفي والظاهر والسطح والحنين إلى الأشياء والحياة، والذاكرة المشتركة بين الفنان والمتلقي.

تابع علي في برلين رحلته مع (الجبل) وحملت أعماله إشارات التطور والبحث وابتعدت عن (غنائية) الألوان الأولى لتحمل تأكيداً جديداً فيما يتعلق بفسحات اللوحة ونظامها إلى جانب السؤال عن أصالة العمل وأحقيته وقضية اللون والشكل.

وهكذا دخل علي دهاليز البحث المرتبطة بالأمل والإحباط، بالتحدي والهزيمة حتى يصل إلى نقطة نور ليسير من جديد باحثاً بالعمل المستمر عن كوّة تحمل بصمته وتبرر وجوده كفنان.

اختار علي الطريق الوعرة، طريق ارتباط الذات بالعمل الفني عبر اللوحة واحتمالاتها، فكان عليه أن يبحث عن وسائل أخرى تمكنه من التعبير عما يجول في نفسه وخياله، عن صورة تحمل حروفه وخطوطه. وجاء الأسود بإمكانياته الكبيرة في الاختزال والتأكيد والبوح، فكان المداد والإسفلت والمساحيق المختلفة إلى جانب الغرافيت والسخام والأصماغ، حيث أصبح الأسود مع منحنياته الواضحة والخبيئة المادة الأولى للتعبير على الورق. هذا الورق الذي يشكل العنصر الآخر المتلاحم مع الأسود وهو الحامل الأساسي لرسومه لما يملكه الورق من نضارة ورهافة، مناعة وانكسار. وهكذا تصبح الرسوم كالستائر والأبواب الخفية التي تبدو أحياناً مغلقةً أو مسدلةً لا تنكشف إلاّ أمام حساسية المتلقي وتأويلات التأمل.

يقرأ العربي الزخارف على جدران الجوامع والقاعات والرسوم على أبوب البسطاء فتجلب له المتعة والسلوى، يدركها عن طريق الحس والاستقبال دون تفسير أو علم مسبق. جاء علي بعربات سوداء، مرآة للنفس ووسيلة للتعبير والعطاء. ليس على الخشب والحجر والأبواب، بل على ورق تلتحم على سطوحه الرؤية مع الواقع.

وهكذا يبقى علي عن طريق الـ(قد) الباحث عن الذات في تعرجات الطريق الفنية واختيار ما يطابق خياله الذاتي والإنساني دون رموز أدبية مغرقة أو زخارف بالية. اختيار علي الطريق الوعرة ودخل الأنفاق المعتمة التي بواسطتها يصل من الأسود المشع إلى فسحات النور.

ولا ننسى أن علي صاحب الـ(قد) وابن الجبل."

مروان، برلين حزيران 2004.

متعلّقات