جانب من المعرض.
جانب من المعرض.
جانب من المعرض.
أم الكندم، 2002.
حجيج، 1980.
معرض
 ثلاث مراحل في أربعة عقود
وجدان

كانون أوّل/ ديسمبر2003 – شباط/ فبراير 2004

" هذه ليست مقدمة أو تصديراً، إنما هي بعض الخواطر حول حياتي الفنية. كما أن المعرض ليس معرضاً استرجاعياً لأعمالي بل عرضٌ مختصرٌ للمراحل التي مررت بها خلال مسيرتي الفنية.

لم أكن أتصور خلال سنيّ مراهقتي أن الفن سيأخذ مكاناً مهماً في حياتي، وقد يعود ذلك إلى أنني إجمالاً لا آخذ نفسي مأخذ الجد. فبالنسبة لي يأتي التصوير كردة فعل تلقائية للحالة التي أجد نفسي فيها وضمن ثقافة . ولأنني نشأت في بلد إسلامي ضمن ثقافة إسلامية، وتعرفت إلى الجمالية الإسلامية فيما بعد من خلال قراءاتي ودراساتي وملاحظاتي، فقد أصبح الجمال ركيزة أساسية لإنتاجي الفني. كما أن الحديث الشريف "إن الله جميل ويحب الجمال" جزءٌ محوريٌ ومهمٌ يتحكم في كل جوانب حياتي.

في عام ١٩٦٠ صورت أولى لوحاتي في عمان مع مدرّستي الفرنسية أليس لادو، وكانت بداية تعلقي بالفن. وعندما عدت إلى كلية بيروت للبنات (حالياً الجامعة اللبنانية الأمريكية) حيث كنت أدرس التاريخ، أخذت بعض المواد في التصوير ثم تابعت تدريبي الفني في عمان مع الفنان الإيطالي أرماندو برون والفنان الأردني الرائد مهنا الدرة.

لقد مررت بثلاث مراحل في حياتي الفنية، وهي: مرحلة التجريد، ومرحلة تصوير مناظر الطبيعة والمدن، والمرحلة الخطية. وقد عشت هذه المراحل إما منفصلة أو متداخلة، كما تنقلت بسهولة تامة بينها، وأعمل أحياناً بأسلوبين معاً وأحياناً أركز على أسلوب واحد فقط. وكثيراً ما تتداخل الأساليب لتتحد، مثل التجريد والخط، أو الطبيعة والتجريد.

في بداية تجربتي الفنية في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، اكتشفت اللون فبهرني واستحوذ عليّ، فكرست نفسي للأسلوب التجريدي وتفجرت الألوان المتجانسة والمتضاربة في لوحاتي. ولكن عندما واجهتني أزمة هزيمة ١٩٦٧ وجدتني عاجزة عن استخدام اللون أو الشكل فصورت أول أعمالي الخطية بالأبيض والأسود، وكانت تحتوي على آيات قرآنية، شكلت جزءاً من التكوين البصري، إضافة إلى ما حملته من معانٍ روحانية، ولم تدم هذه الفترة إلاّ شهوراً معدودة، وعدت بعدها إلى اللون والتجريد اللوني.

ذهبت في عام ١٩٧٦ إلى إستانبول لأول مرة فاستهوتني خطوط عمائرها، وضياؤها وظلالها، وألوانها، وماضيها الباهر، وحاضرها الغامض، فكانت "مجموعة إستانبول" وتمثل أبهج فتراتي الفنية.

في عام ١٩٨٠ انتقلت إلى الصحراء، رمز النقاء، والجزء الذي لم يستطع الإنسان أن يقهره على هذه الأرض. وفي كل مساحة قاحلة جاذبية بلا حدود تدفعني إلى تصويرها كي يرى العالم عنادها وكبرياءها. فمرحلة الصحراء عندي لن تنتهي، قد أعرج أحياناً على ضواحي عمان بين أشجار السرو وقد أتبعها إلى سهول وادي الأردن، ولكن في النهاية لا بد أن أعود إلى مهوى الفؤاد، البيداء.

عاد الخط والحرف إلى أعمالي في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ولكن بهيئة جديدة، فقد استغللتُ شكل الخطوط التقليدية فجاءت الحروف ضمن الإطار البصري واستفدتُ من شكل الحرف: مزاياه الجرافيكية كجزء من البناء التكويني، إضافة إلى ما يحمله من مضامين أدبية. ومع الوقت جردت الأشكال الحروفية لتكّون مناظر طبيعية ومدنية.

في عام ١٩٩٠ صعقني اجتياح الكويت بما حمله من صدمة، حطم كل معاني الوحدة والقومية، وما تفجر عنه من نتائج مرعبة ما زلنا نعيشها، فمثل لي هذا الحدث واقعة كربلاء وكأنها عادت إلى الحياة من جديد، فانسل الشعر إلى تكويناتي الخطية وتمركز فيها، ولايزال يدخل عليها من حين إلى آخر. وأنا أعتبر مرحلة "كربلاء" محطة في تطور أعمالي الخطية فقد فتحتْ أمامي آفاقاً واسعة، مازالت تؤثر فيّ حتى الآن.

لقد أكرمني الله سبحانه وتعالى إذ أدخل الجمال على حياتي. وقد استمتعت بكل عمل فني أنجزته، وكل لوحة لي تحمل ذكرى، أسترجعها بنظرة، فتوقظ فيّ آلاف المشاعر، وتعيد النبض لتجارب عمر بأكمله. فعلى هذه النعم كلها أحمد الله وأشكره.

وجدان

عمان في تشرين الثاني 2002

متعلّقات