وضعت الأكاديمية والناشطة النسوية المؤثرة دونا هاراوي (بيان السايبورغ: العلم والتكنولوجيا والنسوية الاشتراكية في أواخر القرن العشرين) عام 1985 ثم أعادت إصداره بعد تنقيحه والإضافة عليه عام 1991. ومع مطلع الألفية الثالثة، وتطور التكنو-علمية التي تمثلت بتآزر غير مسبوق بين البيولوجيا والرقمية، أعادت النسويات مناقشة مفاهيم مثل الجندر والنسوية والبيولوجيا والهيمنة البطريركية الرأسمالية والنوع الاجتماعي والثقافة والطبيعة، وتعالت الأصوات بين مؤيدة ومعارضة لانخراط النساء في التكنولوجيا خصوصا فيما يتعلق بالقضايا البيوطيقية المرتبطة بالجسد الأنثوي فضلا عن السيطرة والتحكم المتزايد بأجساد النساء. لهذه الأسباب وغيرها عاد مجاز السايبورغ بوصفه الانطولوجيا الجديدة لإنسان التكنوعلمية إلى الواجهة من جديد وأصبح بيان السايبورغ المرشد الموجه لهذه النقاشات.
السايبورغ بالنسبة لهاراوي أكثر من مجرد مجاز لدمج البيولوجيا والتكنولوجيا. يجمع السايبورغ الهويات المتكسرة والمناطق الحدودية لأنواع كثيرة، مادية وسيميائية، واقعية وخيالية، دنيوية ولاهوتية؛ إنه مثل جسر يردم الهوة بين جسم الإنسان والكائنات الحية الأخرى، الافتراضية والحقيقية. السايبورغ هو انهيار الحدود بين الواقع والخيال، والطبيعة والثقافة، والمتجسد واللامتجسد في شبكات العلم. الانهيار، على عكس الانفجار، يرسب الشظايا. السايبورغ لهاراوي بمثابة ترسيب للمعنى الثقافي والمادي المتشابك مع المطالب الملحة للنسوية.
لا يصف السايبورغ أفرادًا بقدر ما يرسم طرق الحياة بأكملها، ودائمًا مزيج من الثقافة-الطبيعة. وإذا كان التركيز السابق على أجساد النساء ينطوي على خطر إعادة فرض الرمزية التقليدية: امرأة/ جسد/ طبيعة مقابل رجل/ عقل/ ثقافة، فإن السايبورغ لا يلوي عنق الأشياء حين يؤكد على العلاقة القائمة بالفعل بين التكنولوجيا والنساء. وبالتالي، فإن التكنولوجيا ليست مجرد خردوات وآلات معدنية، بل هي طرق حياة كاملة حرفيًا. كان للسايبورغ منذ ذلك الحين آثار على جميع أنواع الدراسات الثقافية المادية. كما يمكننا القول إن أحد أهم الآثار السياسية المحتملة للسايبورغ هو تخريب الإقصاء التقليدي للمرأة من المشاركة في العلوم والتكنولوجيا. ويبدو أن فكرة هاراوي عن وجود السايبورغ في كل مكان يضعنا جميعًا - وخاصة النساء - في موقف المشاركة والتواطؤ مع التكنولوجيا. وهي بذلك تخرب التقسيم الجندري للعمل الذي حرم المرأة حصة من العقلانية والابتكار العلمي والخطاب العام. الأمر الذي قد يلهم النساء للتغلب على "التكنوفوبيا" البدئية التي ترافق في كثير من الأحيان نقص الوصول إلى التكنولوجيا.
تعرض الدكتورة أماني أبو رحمة في ھذا اللقاء قراءتھا لبیان السايبورغ لدونا ھاراوي مع التركيز على أھمیته في الظروف الراھنة التي تعیشھا النساء عامة والنساء في المنطقة على نحو خاص، وكذلك الفرص والاحتمالات التي یطرحھا السايبورغ للتحرر من قيود الماضي وأساطيره، والانطلاق كسایبورغات يحددن موقعھن تجسیدا واندماجا ویستجوبن العالم الذي صنفھن ذات يوم. بوصفھن (الآخر). فالسايبورغ هو عن الإمكانات.
أماني أبو رحمة باحثة وكاتبة ومترجمة فلسطينية مقيمة في غزة. تحمل أبو رحمة درجة الماجستير في الصيدلة والتكنولوجيا الحيوية و قد أكملت دورات أكاديمية في علم النفس. تشمل اهتماماتها الرئيسية دراسات ما بعد الحداثة والنسوية والسياسة الحيوية. قامت أبو رحمة بتأليف و ترجمة العديد من الكتب، وقد صدر لها مؤخرا: دونا هاراوي، نسوية سايبورغ: مقاربة في بيان السايبورغ والمعرفة من موقع (2020)، وأبعد من فوكو : السياسات الحياتية في عصر الجينوم (2017)، والأنسان بلا محتوى لجورجيو أجامبين (2018).
الصورة: لين رندولف. سيبورغ، 1989.