نعرض ثلاثة أفلام قصيرة: ترميم (11:52 دقيقة، 2018)،  In View (7:07 دقيقة، 2017)، وLight Horizon، (7:33 دقيقة، 2012). يلي عرض الأفلام القصيرة حوار باللغة العربية مع الفنانة والمخرجة رندا مداح.

ترميم
فيديو،  11:52 دقيقة، 2018.

الباحثون عن ذواتهم تائهون. غالباً لا يفلحون في استرجاع ما كان قائماً قبل حلول الخراب في بلدانهم. ما تبقّى لهم محض قشور هيّنةُ التفتيت تتزاحم في ذاكرتهم المليئة بالثغرات. هشاشة الوجود تعترض طريقهم حيث يتربّص النسيان، وعلى جنباتِه تعلو شواهد الذكريات. الوعي الجريح، فارّاً من أرضٍ إلى أخرى، لا يكفّ عن المناورة، فيتجنّب الألم وكأنه لم يكن. 

كيف لي أن أستوعب التدمير؟ الحدود شوّهتْ وجهَ المكان الذي أتيتُ منه، وغيّرتْ خارطته، ورفعتِ الجدران من حول حياة الناس وداخل لغتهم حتى ألفوها وكادوا ينسون وجودها. المكان المهدَّم خالٍ من الحياة الإنسانية، وقد شرعتْ قصته بالتلاشي. الأنقاض تتسيّد المشهد. التاريخ والجغرافيا مفكَّكان ومصاغان بأيدي المحتلّين. 

لا تخفى هشاشة المواد المستخدمة في هذا الفيديو. حاولتُ من خلاله ترميمَ ما لا يُرمَّم، فقمتُ بتجميع بعض الأشياء التي تركها أصحاب الأرض بعد احتلال أراضيهم وتهجيرهم. ثمة قطع إسمنت وصور فوتوغرافية هي بقايا هذا المكان الذي سيطويه النسيان ويندثر أثره. قصقصتُ عناصر من تلك الصور، راجيةً، بشيءٍ من اليأس، العثور على أرض بديلة، حتى لو كانت محاولتي هذه محكومة بالزوال، شأنها شأن القصص والقرى التي مُحيت.

In View
فيديو،  7:07 دقيقة، 2017. 

تم تصوير هذا الفيديو من سطح منزل الفنانة في مجدل شمس من خلال بناء معقد لمرايا متحركة على جانبي الخط الحدودي الذي يقطع مرتفعات الجولان السورية منذ حرب الستة أيام عام 1967. تقع مجدل شمس على خط وقف إطلاق النار، وهي شاهد على هذا الفصل المأساوي حيث تم ترحيل غالبية السكان المحليين إلى سوريا غير قادرين على العودة إلى منازلهم والالتقاء بعائلاتهم. من خلال المرايا، يتم وضع المنشآت العسكرية الإسرائيلية والسورية على نفس خط الرؤية. يتعرض السكان على جانبي الحدود لنفس الاضطهاد. يتشاركون إحساسًا متساويًا بالهوية المفقودة والذاكرة الممحوة. بالنسبة للفنانة، هي رؤية مجزأة لنفسها المجزأة في منظر طبيعي جميل تشعر به.

Light Horizon
فيديو،  7:22 دقيقة، 2012 .

امرأة ترتب بدقة غرفة منزل مدمر في قرية عين فيت في الجولان السوري المحتل التي دمرتها القوات الإسرائيلية عام 1967 مع العديد من القرى الأخرى. مُنع السكان من العودة إلى منازلهم وتوجهوا بالطائرة إلى سوريا حيث تم إيقافهم في مخيمات اللاجئين  مفصولين عن بقية عائلاتهم. ولدت رندا مداح في مجدل شمس، إحدى القرى القليلة المتبقية. تقع القرية على خط وقف إطلاق النار حيث يمكن لرندا هناك التفكير في "الجانب الآخر" المتعذر الوصول إليه.

تقوم كاميرا ثابتة بتصوير الفنانة أثناء قيامها بأعمال منزلية في منزل مدمر وتجديده بستائر وطاولة وكرسي وجسم غريب يشبه القنبلة. بعد انتهائها، تجلس الفنانة وتتأمل الأفق نحو سوريا حيث يعاني اللاجئون السوريون من الجولان من مشقة حرب مروعة.

يربط الفيديو بين المنفيين على جانبي الحدود من خلال تقنية الصورة معكوسة حيث تقاوم الحياة اليومية النسيان، تدعو إلى عودة المهجّرين من خلال خلق ألفة وسط المأساة والدمار، ومن خلال الحفاظ على ممتلكاتهم، ومن خلال طقوس أرواحهم المفقودة.

ولدت رندا مداح عام 1983 في مجدل شمس في الجولان السوري المحتل. بعد انهائها دورات الرسم والنحت في مركز أدهم إسماعيل بدمشق عام 2003 ، تخرجت من قسم النحت في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق عام 2005. وفي عام 2007، درست رندا أيضًا دورات الحفر في أكاديمية الفنون والتصميم في بيت المقدس. كتب جون بيرجر عن أعمالها بأن "هناك قوة في هذا العمل (مسرح الدمى) لم أرها في أي مكان آخر. لقد استحقق الأرض التي يقف عليها، وصيَّرت ميدان القتال بين المتفرجين المذعورين والضحايا المؤلمين مُقدسًا. لقد غيرت أرضية موقف السيارات إلى أرض خام". في عام 2020، حصلت على درجة الماجستير في الفنون من المدرسة الوطنية للفنون الجميلة في باريس. رندا أيضًا عضو مؤسس مع زملائها من الفنانين الشباب لمركز فاتح المدرس للفنون والثقافة في الجولان المحتل، وهي أيضًا عضوة في "l’association Portes ouvertes sur l’art".