"في كل لوحاتي خلال أوائل التسعينيّات، هناك خيط رفيع أتنقّل عليه بين اتجاهين ممكنين للفشل. فمن جهة، هناك خطر دائم في الرسم المكتظّ بكثافة ضربات الريشة من أن تسيطر لغة المشهد الطبيعي على اللوحة. إن الحركات الأفقيّة أو القليل من الضوء من فوق أو السواد من تحت سوف تحيل كامل اللوحة إلى مشهد يمكن أن تصبح فيه أيّة مجموعة من البقع حقلاً أو شجرة. اتجاه آخر للفضل أكثر خصوصيّة بالنسبة لي. أنا أصنع بسهولة أشكالاً هندسيّة بريشتي، وهذا يعود بي إلى عادات تنظيميّة قديمة. هناك ممر ضيّق أسعى إلى توسيعه. وفيه أرى إيقاعات الأشياء الناعمة في الطبيعة. هذه منظومات مؤلّفة من أعداد كبيرة من العناصر الصغيرة مثل حشود كبيرة من الناس، أو أوراق الشجر، أو حركة الأمواج في الماء أو حقول العشب والقطعان والأسراب وما شابه. إن هندستها المعقّدة مثيرة للدهشة. أريد أن أستخرج شيئاً من هذه الهندسة، هندسة كميّات الأشياء وهي في حالة الحركة. هنا يكمن تجريديّ الفنيّ.
كما أنّني فكّرت مطوّلاً كيف أنّنا نقوم بتركيز أعيننا من موقع إلى آخر، بحيث يمكننا أن نفهم ما يحيط بنا. أنا أرغم نفسي على أن أكون متيقّظة وأنا أسير في الشوارع وأستجيب للإشارات مثل إشارات المرور، أو أبواق السيارات، أو النزول من الرصيف إلى ممر السيارات، أو المشاة الذين يمرّون بي، أو دنو المشاكل المحتملة. تتحوّل هذه الإشارات إلى علامات مرئيّة قليلاً أو كثيراً على سطح اللوحة، مرشدة عين الناظر باستراتيجيّات مقصودة".
سامية حلبي، كتاب سامية حلبي: خمسة عقود من الرسم والابتكار، غاليري أيّام، 2010.