الآثار
في الحدائق الجنوبية لدارة الفنون تم اكتشاف آثار كنيسة بيزنطية يعود تاريخها إلى القرن السادس الميلادي، يجاورها كهف قديم. وكان الضابط البريطاني سي آر كوندر Major C. R. Conder أول من تعرّف على هذا الموقع في سنة 1880.
نقوش وإهداءات
يجاور الكنيسة كهف رجّح كوندر أنه “مقدس لكونه ضريحاً أو مغارة لسكن أحد القديسين”. وفي مطلع القرن الماضي قام راهبان من الفرنسيسكان (نسبة إلى القديس اللاتيني “فرانسيس”) هما: ر.سافينياك R. Savignacوم. آبل M. Abelبتوثيق نقشين من بين الآثار، أحدهما يشير إلى أن الكنيسة ربما كانت مكرسة للقديس مار جرجس، ويرجح الثاني أن الكنيسة شُيدت فوق معبد مكرس لهرقل أو بالقرب منه.
في سنة 1993 قام د.بيار بقاعي، مدير المركز الأمريكي للأبحاث الشرقية، بحملة للتنقيب عن الكنيسة وترميمها.
نتائج أعمال التنقيب
أوضح د.بيار بقاعي أنه “عُثر في الموقع على نقش يحمل اسم الإله الروماني هرقل، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان ثمة مقام أكثر قِدماً قد وُجد في الموقع أو قريباً منه، ربما كان مكرّساً لهذا الإله. إذ غالباً ما كانت الكنائس البيزنطية تُشيّد فوق المعابد الرومانية، وفي هذا الموقع هناك الكثير من العناصر الرومانية بما في ذلك الأعمدة، والنقوش المحفورة. ومن المحتمل أن الكهف كان مستخدماً قبل بناء الكنيسة، ومن المحتمل أيضاً أن تكون له دلالة دينية، بما أن وجود الكهف قد تحكم في طبيعة تصميم الكنيسة. ولعله ضم، أو هذا ما ساد الاعتقاد به، ضريح واحد من شهداء المسيحية في عمّان، أو شخصية بارزة أخرى”.
كما عُثر في الموقع على نقش يحمل اسم القديس مار جرجس (St.George). والصلة التي تربط ما بين هرقل وهذا القديس صلة وثيقة بالبناء. كان هرقل، بما عرف عنه من قوة واحداً من أبطال الأساطير الكلاسيكية اليونانية. كما أن مار جرجس معروف بطبيعة الحال، بانتصاره على التنين. وحول هذا الموضوع يعلّق آبل قائلاً: “إن تحول شخصية هرقل إلى شخصية مار جرجس أمر يسير بما أن الشخصيتين تتميزان بصفة مشتركة، وهي امتلاك القوة الجسدية.
مار جرجس والخضر
ثمة قرينة أخرى تجمع بين مار جرجس والخضر، الشخصية الدينية في الإسلام، فكلاهما يتمثل بمظهر الفارس. كما أن هناك ما يدل دلالة وافية على أن الكهف كان في القرن الماضي يُنسب إلى الخضر. ولهذا الموقع خصوصية عالية، فقد شهد على ما يبدو، طقوساً دينية وعبادات مختلفة تواصلت على امتداد آلاف السنين، تتوالى الواحدة منها بعد الأخرى، وتجسد شيئاً من ملامح ما سبقها من ديانات. وربما كانت هذه الكنيسة مكرّسة للقديس مار جرجس في موقع أو قرباً من مقام مكرساً لهرقل، فأصبح الموقع بالتعاقب مقاماً للخضر.
الكنيسة البيزنطية
اتخذت الكنيسة شكل قاعة مستطيلة صُممت باتجاه شرقي / غربي، في جانبها الشرقي شكل نصف دائري ناتئ، وفي جانبها الغربي مدخل. تتألف القاعة الرئيسية من ثلاثة أجزاء مقسمة بصفين من الأعمدة، ثلاثة في كل صف. وكان الجزء الشرقي من الكنيسة منفصلاً عن بقية الأجزاء بحاجب المذبح الذي يمتد على عرض القاعة. أما الجزء الأوسط من المذبح فهو مغطى ببلاط ملون بينما كانت الفسيفساء تغطي الجانبين. وفي الجزء الغربي من الكنيسة يقع جرن المعمودية، الذي يتخذ شكل شق بيضوي في الأرض.
أما الكهف الذي يقع في الجزء الغربي من الموقع، فهو يحتوي على أربع كُوى، ربما تحتوي إحداها على آثار قبر ما. وكان الكهف قد أُدخل ضمن مبنى الكنيسة كما تدل الجدران التي شُيدت داخل حدوده. وأمام الكهف تمتد أرضية من الفسيفساء. وثمة دليل يشير إلى وجود كهف ثانٍ إلى الشرق من الكهف الأول، لم يجر التنقيب عنه بعد.
الفسيفساء والقطع الأثرية
تتكون معظم أرضيات الفسيفساء الموجودة في الموقع من قطع كبيرة يغلب عليها اللون الأبيض. كما استُخدم الأحمر والأصفر والأزرق في بعضها. وتبدو الأشكال النباتية موضوعاً رئيسياً في هذه الأرضيات التي ما يزال بالإمكان رؤيتها.
وقد تضمنت أعمال الصيانة التي أجريت على الكنيسة إعادة الأعمدة إلى أماكنها، كما أُعيد وضع التاج الكورينثي، الوحيد المتبقي، فوق العمود الشمالي الشرقي. ويُعتقد أن ثمة تاجاً آخر، كان قد أُخذ من الموقع، تم الحصول عليه من مجموعة خاصة، وأعيد إلى موقعه الأصلي. كما أن هناك بقايا أرضية من الفسيفساء لم تُستخرج من الأرض حتى الآن. أما القطع الأثرية التي عثر عليها في الموقع، فهي معروضة الآن في غرفة خاصة بمكتبة دارة الفنون، وتضم نحتاً بارزاً للآلهة اليونانية نايكي (Nike)، ومحاكاة عربية للعملة المعدنية البيزنطية، ومصباحين كاملين من العصر العباسي أو بداية العصر الفاطمي، بالإضافة إلى قطع فخارية تعود إلى مراحل مختلفة من العصر الإسلامي.
من “دارة الفنون: فن، عمارة، آثار” ، 1997.