كريم إسطفان طالبُ دكتوراة مرشحٌ لنيل درجة الدكتوراة في الثقافة الحديثة والإعلام من جامعة براون.
شُهودٌ يُفكِّكُ الاستعمار:
الغموض والتخمين وبناء العوالم في الثقافة البصرية الفلسطينية المعاصرة
"ارتبط الإنتاج الثقافي الفلسطيني في معظمه بالذاكرة المضادة كضرورة أخلاقية وسياسية منذ عام 1948. ولأنه توجب على الفنانين وصنّاع الأفلام الفلسطينيين أداء دور الشاهد على نكبة مستمرة، فقد أنتج هؤلاء الكثير من الأدلة المرئية الشاهدة على المعاناة والكفاح في ذات الوقت الذي وجَّهوا فيه النقد لما يقوم به الاستعمار الاستيطاني الصهيوني من محوٍ للهوية والتاريخ الفلسطينيين. إلا أن الفضح الوثائقي لعنف الدولة الإسرائيلي واستثارة التعاطف لصالح الضحايا الفلسطينيين باتت اليوم تقاليدُ مُقيِّدةً بدت عليها أعراض حقبة ما بعد أوسلو وتحول الحركات الاجتماعية إلى منظمات غيرحكومية. يزداد رفض الفنانين الفلسطينيين لهذه الأهداف التي تَدينُ لأيديولوجيات ومؤسسات تتحكم اليوم بتمويل الثقافة المرئية وتوزيعها واستقبالها من فلسطين وعموم الشرق الأوسط. وعليه أركز في مشروعي على ممارسات الشهود في الأعمال الفنية الفلسطينية وخاصة في مجال الأفلام والفيديو والتصوير والإعلام الرقمي، والتي تتصدى لمحددات الأنسنة من خلال استراتيجيات الغموض والتخيُّل والتخمين وبناء العوالم.
ما معنى أن تكون شاهداً على عوالم أخرى محتملة وسط أنقاض فلسطين التاريخية؟ أتناول بالبحث جملة من التساؤلات النظرية حول الترميم والتمثيل والخيال في أعقاب الكارثة، ومنها نموذج "التَخيُّل الناقد" الذي قدمته سيدية هارتمان وما طرحته أرييلا أزولي حول "التاريخ المحتمل" ومفهوم جلال توفيق حول "انسحاب التقاليد الفنية بعد تجاوز الكارثة". كما وأتناول بالتحليل دور الشاهد في خطاب القانون الدولي وخطاب حقوق الإنسان وخطاب الصدمة الاجتماعية وأربطه بالتجسيدات الفلسطينية لشخصية الشاهد، كحنظلة الذي صنعه ناجي العلي، بهدف إيجاد جسد يؤوي شخصية "الشاهد المُبهم" كما أدعوها. واستناداً إلى "الحق في الإبهام" الذي نادى به إدوارد غليسان أتناول بالبحث الأسئلة التالية: كيف يمكن أن يؤدي رفض إنتاج شخصيات تعيش المعاناة وتحتاج المناصرة الحقوقية والغوث الإنساني إلى خلق أشكال جديدة من الشهود والتعايش قائمة على العلاقات؟ كيف لنا أن نرى الشاهد كشخصية لا ترتبط وحسب بالشهود والتذكر وإدلاء الشهادة وإنما بالقدرة على التخيّل والتخمين فوق ذلك؟ ثم كيف لنا أن نحول هذه الطاقات باتجاه خلق أساليب وسياسات تحررية في إطار تفكيك الاستعمار؟ أناقش هذه الأسئلة والاستراتيجيات من خلال صور مؤثرة من فلسطين والشتات التقطها باسل عباس وروان أبو رحمة ويزن خليلي ولاريسا سنسور وإليا سليمان، بينما أستقي الإلهام من العديد من الأعمال الفنية والسينيمائية والأدبية الفلسطينية والعربية، ومنها "سِفرُ الاختفاء" لابتسام عازم وفيلم "المنام" لمحمد ملص والأعمال المجاورة للخيال التي أنتجها الفنانون اللبنانيون في حقبة ما بعد الحرب من فيديو وعروض أدائية وفن تركيب."
--كريم إسطفان، 2020