معرض
ستون عاما
في ذكرى النكبة، أعمال لأحمد نعواش، ناجي العلي، وسهى شومان

حزيران  – تموز ٢٠٠٨

أحمد نعواش

كان أحمد نعواش في الرابعة عشرة من العمر عندما حلّت النكبة بفلسطين واجتُثّ من ربعه في عين كارم. وهرع الصبي من بيت أجداده إلى متاهات عالم لفّه الإرهاب وساده الذعر وقد تناثرت في طرقاته الخرائب والبيوت المهجورة وآفاق المجهول. وتسلَّل الصبي مع الجموع المستأصَلَة مثله حتى بلغوا في نهاية المطاف غور أريحا ومن بعده أرض الأمان وراء نهر الأردن. هناك، بدأت حياة المخيّم من العدم تتشكل على إيقاع القلق والتلهف والشك والانتظار الطويل.
وعندما تلمّس نعواش في التصوير طريقاً له وأسلوباً، جاءت أعماله برمّتها وكأنها اللقطات التي تحجّرت في عيون ذلك القروي الصغير الذي رأى نفسه ضحية العنف والتقلّبات المتواصلة التي اجتاحت حياة اللاجئ الفلسطيني. إن أسلوبه الشخصي في التعبير رغم خصوبة إنتاجه لم يكد يطرأ عليه أي تغيير، وفي هذا التشبّث العنيد يكمن سر مسيرة نعواش. فبواسطة لغته التشخيصيّة المميّزة شيّد نعواش أفقاً سردياً كشف لمشاهده عن خفايا كوابيسه. وبواسطة لغته هذه، يستمر نعواش في نسج حكايا من تجربة ذلك الطفل المهان الذي لم يفتأ يجعل من ضياعه الأول آخر اليأس.
كمال بلاّطه (مقتطفات)

سهى شومان

في عامنا هذا، 2008، وفي هذه الذكرى لنكبة 1948، يقف الكثير من الفنانين الفلسطينيين، أولئك الذين تتصدى أعمالهم عادة على نحو مباشر، أو لا تتصدى، لقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقفة متأملة. أين نحن؟ إلى أين نمضي؟ وما الذي ينبغي لنا أن نقول بعد مرور ستين عاما؟ ما بوسع الفنان أن يقول غير ما قيل عن ستين عاما من مطالبة الفلسطينيين بالاستقلال، تلك القضية المعقدة المستقطبة والموثّقة توثيقا هائلا؟

سما الشيبي (مقتطفات)
ترجمة مي مظفر

ناجي العلي

لا أعرف متى تعرفت على ناجي العلي، ولا متى أصبحت رسومه ملازمة لقهوتي الصباحية الأولى. ولكنني أعرف أنه جعلني أبدأ قراءة الجريدة من صفحتها الأخيرة.
كان آخر من رأيتُ في بيروت بعد الرحيل الكبير إلى البحر. كانت بيروته الأخيرة وردة تبكي. وكان يسخر من نفسه لأن الغزاة في صيدا ظنوه شيخاً طاعناً في السن بسبب بياض شعره. سألني إلى أين سأرحل. قلت: سأنتظر إلى أن أعرف. وسألته إن كان سيبقى. قال إنه سينتظر إلى أن يعرف.
لم يكن أحد منا خائفاً، لأن المشهد الدرامي في بيروت كان أكبر من أية عاطفة، فرسم بيروت وردة وحيدة. ولم نعلم، لم يعلم أحد، أن وراء الوردة وحشاً يتقدم من مخيماتنا..
جميع الذين عملوا معه كانوا يقولون إنه أصبح جامحاً، وإن النار المشتعلة فيه تلتهم كل شيء، لأن قلبه على ريشته، ولأن ريشته سريعة الانفعال والاشتعال لا تعرف لأي شيء حساباً، ولأنه يحس بأن فلسطين ملكيته الخاصة التي لا يحق لأحد أن يجتهد في تفسير ديانتها. فهي لن تعود بالتقسيط، لن تعود إلا مرة واحدة. مرة واحدة من النهر إلى البحر.
حين استشهد ناجي العلي، سقطت من قلبي أوراق الأغاني لتسكنه العتمة. الاختناق في الحواس كلها، لا لأن صديقاً آخر، صديقاً مبدعاً، يمضي بلا وداع فقط، بل لأن حياتنا صارت مفتوحة للاستباحة المطلقة، ولأن في وسع الأعداء أن يديروا حوار الخلاف، بيننا، إلى الحدود التي يريدونها، ليعطوا للقتيل صورة القاتل التي يرسمونها، وليتحول القتلة إلى مشاهدين.
من هنا فإن الوفاء لشهدائنا ولذاتنا لا يتم بالقطيعة، بل بتطوير مضامين هويتنا الديمقراطية، وخوض معركة الحرية ومعركة الديمقراطية، داخل الحالة الفلسطينية، بلا هوادة، وبلا شروط..
لقد رحل، ولكنه خلّف تراثنا الجماعي، تراث شعب يتكوّن بكل ما يمتلك من وسائل التكوّن..
محمود درويش (مقتطفات)

متعلّقات