" لقد اشتبكت مع تجربة الفنان المبدع عدنان الشريف منذ تواجده في الاردن وكان ذلك على ما اعتقد في بداية التسعينيات، وبدأ الحوار الجاد بيني وبين الشريف حول طبيعة اللوحة وآفاق الفنان عبر زيارات متكررة لمرسمه فقد وجدت في هذا الفنان صمت المبدع وهدوء العمل الفني ونضوجه وقد حقق الشريف عبر تأملاته للشكل وفضاءاته وصولا الى اهتماماته في الموسيقى والفوتوغراف مجمل ما يريد من ابداع.
يقدم الشريف في هذه التجربة امتدادات متداخلة لعمله الفني الذي يمثل منذ فترات طويلة الهم السياسي الفلسطيني المبني على فكرة الجمال بعيدا عن ظهور الخطاب السياسي وهذه ميزة تحسب له، حيث تشهد اعمالا في مجال الغرافيك (أكواتينت وليثوغراف) واعمالا اخرى في الثمانينات والتسعينات وصولا للاعمال الجديدة.
والمتأمل للتجربة على مدار هذا الامتداد يؤكد صدق مشروع الفنان عدنان الشريف فهناك رابط عضوي في حياته الفنية والمكوث في فكرته وطرائق تعبيره من الموضوعات المختلفة لشكل خصوصية في طبيعة بناء التكوين (والباليته اللونية).
ففي اعماله الغرافيكية في مرحلة الثمانينات نلحظ وضوح الخطاب حيث نلحظ التكوين الانساني المتألم المتمثل برحلة المنفي الفلسطيني وتجلياته الانسانية وصولا لانعكاس الاحتلال في مفردات اللوحة كالقواطع الحديدية وافكار التعذيب والانتظار وبقايا ثقوب الرصاص.
واعتقد ان مثل هذه الأعمال كانت سائدة في المزاج البيروتي في الثمانينات حيث اطلعت على معظم النتاج التشكيلي اللبناني والفلسطيني اثناء وجودي هناك، ولكن لاحقا نجد ان الشريف قد ارتفع بلوحته الى مصاف الخطاب الجمالي الجاد متوازنا على الفكرة السياسية، وقد احسنت دارة الفنون بربط التجربة الجديدة بالتجارب السابقة لبيان سياق تجليات هذا الفنان الذي احترف التأمل وصولا الى تحقيق نضوج عمله الفني، ولا يخفي الشريف في تلك المراحل فكرة الرسام واظهار قوة الخطوط وتعبيريتها ذات التأثير الخاص والمباشر.
اما الاعمال الجديدة والتي جاءت كامتداد حقيقي لتجربة الشريف بين الموسيقى واللوحة ليتوج هذه المرحلة باعمال جديدة اتخذت من المجموعة اللونية الحارة فضاء لها، حيث يظهر الجدار في اغلب الاحيان عبر الوان ثقيلة، اما الالوان المضيئة فتأتي لتخترق هذا الثقل وكأنها رسالة نضالية غير مباشرة تتمثل في اختراق الجدار الصلد.
لقد بنى الشريف عمله عبر مقطعين افقيين والتحرك بينهما عبر اختراقات لونية من خلال الاظهار والطمس الى جانب الاستفادة من القواطع الخطوطية الاقرب الى اشتقاقات المربع واضلاعه، فلوحته تتأسس على مجموعة مقاطع اشبه ما تكون بقواطع الجدار ولكن الشريف في هذه الاعمال يقوم بتحويل الألم الفلسطيني، واستطيع ان اصف اعماله بوصفها ايقاعات لونية متألمة، مليئة بالامل والمستقبل المضئ، انها الرسالة الثقافية الاكثر تأثيرا في عالم الانسان."
العامري، محمد. جريدة الدستور، الأحد 2004/2/8.