زياد دلّول هو أحد فنّاني سوريا الرائدين، ويعيش في باريس منذ الثمانينات. أعماله الفنية هي لوحات، ومحفورات طباعية. مستخدمًا عناصر ومواضيع من الطبيعة ليُعيد تشكيل انعكاسات الذاكرة وليطرح تساؤلات على الطبيعة نفسها بمقاربة فلسفية تطمح إلى فتح نوافذ بين الداخل والخارج، المرئي واللامرئي، المعيش والمتخيل.

"تبدأ اللوحة في سوق الأتربة والأوراق، وعندما تنتقل الأداة من مكانها المشاع إلى المرسم يواكبها غبار مشعّ احتفالاً بخلاصها من بطالة الاستعراض. وفي المشغل تجتمع نباتات فقدت ماءها فصارت رقائق بيضاء عطشى لسقاية دائمة. وعلى تلك الرفوف وفي تلك الزجاجات ترسبت مساحيق أحجار محروقة وأتربة لا تعرف بلادها وكحل من ليل لا نجم فيه.

في الطرف الآخر من المدينة يسكن فيرمير ورامبرانت وطفل يجيد الرسم أكثر من الكلام. وأفكّر: تمرّ حشود الناس أمام أسود فيلاسكيز ويبقى وحيداً مستتراً يمنح الدهشة ويسرّ بسرّه لنفسه كأنه ذلك الكحل. وأفكر: كيف مسخت تلك اللوحات إلى صور في كتب المكتبات وصارت علامة في الذاكرة، مثلها مثل أبجدية الكلام.

يقتسم العالم المرئي باختصاره، الطبيعة شجرة، الشيء طاولة والإنسان كرسي. ويتكثّف اللامرئيّ بوحيه، الروحيّة فضاء، الامتلاك ترحال والزمان يوم. وهذا العالم- اللغز؟

أوراق تفترش خشبة المرسم وتثير جدلاً تحريضيّاً لخطف سراب صور مبهمة للأشياء، وأتحقّق أن الشكل وراء حركة الذراع. إنّه اكتشاف الجسد، تدور اليد فيتكوّر الخط. ويتعرّق الجسد بنزق اللوحة، عصب الصورة من عصب العين، والأظافر تخدش العجائن مثلما تتلمّس الجلد. وعلى ذلك السطح البادئ بالحياة أرى هيولى التكوّن حيّة مثل خلية تماثلها بذرّاتها وبمائها. مساحات تتراكب لتخلق مناخها وفضاءها، تخلق الجسد الآخر.

رداء لطولة من رماد الصنوبر، هواء لكرسي من زهرة قطبيّة، طلاء من كلس الكرمة لهذا الحائط، رائحة قرمزيّة لمائدة الصباح، تفاح مائيّ على طاولة المذبح، نساء صارت غناءً وطفل يعلّم السؤال.

ليبق هذا العالم لغزاً، فهو جميل هكذا.

 زياد دلّول، كتالوج معرض زياد دلّول، دارة الفنون - مؤسسة عبد الحميد شومان، 1997.