"عدّة صيغ تشكيليّة تكاد تصل إلى الثلاث أو الأربع مراحل، حاولت البحث بها عن الهم الإنساني، متوحّدة في بوتقة إنسانيّة واحدة، فنرى الإنسان هو ذاته، استبصاراته الخاصة بالأشياء وأسئلته القديمة والجديدة، الوجوه الاستبداديّة الفاسدة، السلطويّة، سلطة الإنسان في إلغاء حريّة الإنسان - الآخر.
وفي زمن المحن، تصبح اللوحة ليست مجرّد شكل أو لون، وإنما غاية بحد ذاتها، فهي الوجود ونحن العدم، وعندما حلّت بنا صبرا وشاتيلا كانت مرآة بحجم الكون تندّد بالصهيونيّ الذي تميّز بأيدولوجيّته في قتل الآخر، والتاريخ يحفل بأوصاف دقيقة لهذه العنصريّة، وما لوحات صبرا وشاتيلا إلا محاولة للخروج من هذه المرآة- لتعلن بأنها صلبت مقلوبة على تقطاع الشوارع، وهي ذكرى لمن تخونهم الذاكرة، فهي الحزن الفلسطيني الأكثر سواداً، وقسوة منذ مأساة فلسطين.
وضمن هذا السياق، نستقرئ التناقضات البشريّة، ونحاول إلغاء المسافات فنرسم الملحمة للتعبير عن قصة إنسانيّة تثبت قواها في مواجهة تعقيدات الحياة القاسية، وعندما نحاول أن ندخل إلى الإنسان من زاوية أخرى، نبحث عن بقايا تراثيّة، نسعى بها إلى الكمال في مجاهدة النفس، فللروح أيضاً غذاؤها كما للعقل والفكر زادهما. فالموروث الحضاري كائن حي ينبض ويتنفّس ويغضب ويحزن، وعندما ندخل إلى زمانه ونحاول إعادة قراءته نجد أروع فكر إنساني، عميق الدلالة وجدلي العلاقة لا مثيل له لا في الشرق ولا حتى في الغرب.
المسألة في النهاية هي تناقضات الواقع الاجتماعي والسياسي في الصراع القائم بين الفن والحياة، في تطوير نوعيّة طرح السؤال، واستشراف أبعاد المستقبل بالسمات، والمسائل الفكريّة للحياة واستبصار عمق الحالة الإنسانيّة".
عدنان يحيى، من كتالوج معرض "من صبرا وشاتيلا.. إلى الاستقلال؟" (1982 - 1999)، دارة الفنون - مؤسسة عبد الحميد شومان، 1999